الكتاب

الكتــــــــــاب
         
        قوتُ القلوبِ، ومؤونة المحتاجِ، وسلْو المهمومِ المغمومِ، ومواسي المحزون، ونعم المؤانس هو في حال الوحدة والغربة ، حُقَّ له أن يكونَ الصاحبُ والخليلُ عند الخلوةِ ،  المجافي لإفشاء أسرار الأصحاب ، المباعد عن كل ما يكدِّر الأحباب ، الواهبُ حكمة ، مصوِّب الرزايا والأغلاط ، مهذب العقول والألباب .
وصدق الشاعر إذ يقول :     نعم المؤانس والجليس كتاب                      تخلو به إن خانك الأصحاب
                                        لا مفشياً سراً ولامتكـــــدِّرا                 وتفــاد منه حكـــمة وصــواب
الكتابُ سراجٌ يُستضاءُ به الطريق ، وشعلةٌ على دروب السائرين الحائرين، ونورٌ لمن غمَّت عقولهم بظلام الجهالة وانقطاع العرفان .
                           أعزُّ مكان في الدُّنا سرج سابحٌ                 وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ
      الكتابُ كلما قُلِّبت صفحاته، وخَلِقت أوراقُه ، وهبَ صاحبَه أحسنَ وأجملَ هداياه، ومن الدُّرر عطاياه  ومن حسن الخلق طُبِعـت سجاياه . يقول الشاعر أحمد شوقي :
أنا من بدّل بالكتب الصحابا              لم أجد لي وافياً إلا الكتابا
صاحبٌ إن عبته أو لم تعب              ليس بالواجد للصاحب عابا
كلما أخلقته جددنــــــــــــي               وكساني حلى الفضل ثيابا
    الكتاب يطبع العقل علماً، وخلقاً، وفناً وتدريباً، إن أحسن صاحبه اختياره ، ونقَّى منه شوائبه، وتصيَّد نفائسه، واسترشد بأستاذه وغيره من علماء الأمة ، علا وارتقى به معالي القمة ، وشمَّرَ به سواعد الهمـة.
    فهلّا توجهنا إليه ، وقضينا أروع أوقاتنا في الإستمتاع بالنظر إلى دُرَرِهِ وكنوزِه وعجائبِه ، واستلهمنا منه علماً ينفع الله به ، ويرفع درجة المستنيرين به ، يقول الله تعالى :  ".. يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير" .
     نحطِّم ما يقال أن أمة اقرأ لا تقرأ ، فلعمري إنه لمن العار والشنار أن يقال عن أمة مثل ذلك ، وهي التي قد أنارت  الطريق للعالم أجمع ونهل من علومها الغرب والشرق ، إذ كانت اللبنة الأولى لما نراه اليوم من تطور علمي وصناعي .
     فالقراءة الدؤوبة مفتاح المعرفة وطريق الرقي ، ومما لاشك فيه أن ما من أمة تقرأ إلا ملكت زمام القيادة وكانت في موضع الريادة ، وخير شاهد ما نعاصره من تفوق النصارى في الغرب ، والبوذيين في اليابان ، والمؤسف تراجع المسلمين الذين نزل كتابهم العزيز المقدس مبتدئاً بالأمر اقرأ ، والأمر ذاته يصدق في حق الأفراد من الناس.
(( والقراءة نزهة في عقول الرجال )) كما قال المأمون  (( وتجربة ماتعة لايكاد يهجرها من سحرته الكتب وهام بالمؤلفات وعشقها ، فهي سميره وحديثه ورفيقه ومحور حديثه وموضع اهتمامه )) . 


                                                                                                                        
                                                                         بقلم : جمال عبد القادر بامخرمة


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة